بقلم “ريبيكا أوسوليفان”، خبيرة تدريب موارد بشرية ومديرة لمؤسسة التعليم والتدريب والتوظيف الأسترالية (ETEA)
ملبورن، أستراليا – دبي، الإمارات العربية المتحدة، 9 أكتوبر 2024: مع حلول يوم الصحة النفسية العالمي لعام 2024، الذي يحمل شعار “حان الوقت لإعطاء الأولوية للصحة النفسية في مكان العمل”، ندرك الحاجة الملحة إلى تعزيز بيئات عمل تدعم صحة الموظفين وتراعي احتياجاتهم النفسية. فقد كشفت الجائحة وما تبعها من تأثيرات عن أهمية الاهتمام بالصحة النفسية في إطار العمل، مظهرة نقاط الضعف والإمكانات الكامنة في هذه البيئات. وعلى الرغم من الوعي المتزايد بهذه القضية، لا تزال تحديات الصحة النفسية واسعة الانتشار في أماكن العمل حول العالم، وتؤثر بشكل عميق على الموظفين والجهات المختلفة على حد سواء.
التأثيرات البشرية والاقتصادية لإهمال الصحة النفسية في العمل
يمكن لمكان العمل أن يكون عاملاً إيجابياً يعزز الصحة النفسية، حيث يوفر للأفراد شعوراً بالغاية، الاستقرار، والتواصل الاجتماعي. ولكن في كثير من الأحيان، تفرض بيئات العمل ظروفاً تضر بالصحة النفسية، مثل ساعات العمل الطويلة، وعدم الاستقرار الوظيفي، والوصمة المرتبطة بمشكلات الصحة النفسية. وهذه العوامل غالباً ما تؤدي إلى التوتر، الإرهاق، والقلق، مما يكلف الاقتصاد العالمي ما يُقدر بنحو تريليون دولار سنوياً نتيجة انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدلات الغياب ودوران الموظفين.
وتُظهر الأرقام بوضوح أن دعم الصحة النفسية في مكان العمل ليس فقط خطوة إنسانية، بل هو أيضاً قرار استراتيجي. فبيئة العمل التي تدعم الصحة النفسية تؤدي بشكل مباشر إلى تحسين الإنتاجية، وزيادة رضا الموظفين، وتعزيز مستوى الالتزام.
بناء ثقافة تدعم الصحة النفسية: أفضل الممارسات:
أفضل وسيلة لتعزيز بيئة عمل صحية نفسيًا هي بناء ثقافة قائمة على الشفافية، والدعم، والتمكين. هذه الجهات الرائدة في مجال الصحة النفسية لا تقتصر على الامتثال فقط، بل تدمج أولويات الصحة النفسية ضمن نسيج ثقافتها المؤسسية. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الفعّالة لتحقيق ذلك:
دمج الصحة النفسية في ممارسات القيادة: للقادة دور محوري في تشكيل ثقافة العمل. من خلال الاستماع الفعّال، التعاطف، وتطبيق سياسات داعمة، يمكنهم خلق بيئة عمل صحية نفسيًا. كما أن تدريب القادة على التعرف على علامات الضغوط النفسية وكيفية الاستجابة لها بشكل صحيح يساعد في كسر حاجز الوصمة وتعزيز أجواء الدعم.
تنفيذ سياسات عمل مرنة: ترتيبات العمل المرنة، مثل العمل عن بعد أو تقليل ساعات العمل، تمنح الموظفين فرصة لإدارة التوتر وتحقيق التوازن. الدراسات تؤكد مرارًا وتكرارًا أن الموظفين الذين يتمتعون بقدر من التحكم في جداولهم الزمنية يشعرون برضا وظيفي أعلى ومستويات أقل من القلق.
إعطاء الأولوية للوصول إلى موارد الصحة النفسية: توفير الدعم النفسي أمر حيوي. يشمل ذلك برامج مساعدة الموظفين، الاستشارات، وورش العمل الخاصة بإدارة التوتر وبناء المرونة. التواصل المنتظم حول توفر هذه الموارد يعزز الشعور بأن الجهة تهتم حقًا بسلامة موظفيها.
تعزيز المحادثات المفتوحة حول الصحة النفسية: الوصمة تشكل عائقًا كبيرًا أمام طلب المساعدة. من خلال خلق بيئات آمنة تمكن الموظفين من مناقشة تحدياتهم النفسية بحرية، تستطيع الجهات تقليل الخوف من التمييز، مما يعزز ثقافة التفاهم والدعم المتبادل.
قياس والاستجابة لمؤشرات الصحة النفسية: الجهات التي تراقب رفاهية موظفيها من خلال الاستطلاعات وآليات التقييم تكون أكثر استعدادًا للاستجابة بشكل استباقي لاحتياجات الصحة النفسية. هذا النهج المستند إلى البيانات يتيح اتخاذ التدخلات المناسبة في الوقت المناسب، مما يحسّن تجربة الموظفين والصحة العامة للجهة.
المسار المستقبلي: مسؤولية مشتركة
بينما تُعد هذه المبادرات أساسية، فإن إحداث التغيير الحقيقي يتطلب تعاونًا مشتركًا. يجب أن تتضافر جهود الحكومات، مقدمي الرعاية الصحية، وقادة القطاع الخاص لوضع سياسات تدعم الصحة النفسية في بيئات العمل. كما أن وجود تشريعات تحمي الأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية من التمييز في العمل أمر ضروري، إلى جانب دعم البحث العلمي المتعلق بالصحة النفسية في أماكن العمل.
يدعونا يوم الصحة النفسية العالمي لعام 2024 إلى إعادة التفكير في أدوارنا في أماكن العمل والالتزام بخلق مساحات عمل تدعم الصحة النفسية. ومن خلال ذلك، نساعد في بناء بيئات عمل تمكن الموظفين من الأداء بأفضل شكل ممكن، بل وتتيح لهم الازدهار. الاستثمار في الصحة النفسية في مكان العمل يُحقق فوائد ملموسة في مجالات المرونة، الابتكار، والنجاح، سواء على مستوى الأفراد أو الجهات.
لمزيد من المعلومات حول كيفية دعم المؤسسة لاحتياجات التدريب، يرجى زيارة الموقع الإلكتروني www.etea.edu.au