“طريق مريم”.. سيرة السيدة العذراء
توّثق الكاتبة كاميل هيلمنسكي في كتابها الصادر حديثاً عن دار روايات “طريق مريم.. ماري حبيبة الله”، بترجمة تهاني فجر إلى العربية، سيرة سيدة نساء العالمين، ابنة عمران وحنّة، وأم عيسى المسيح؛ مريم العذراء الناصرية، عليها السلام، حيث تضع في مسار واحد مصادر متنوعة وروافد متعددة تشمل معلومات تاريخية علمية، وآيات قرآنية، ونصوصاً من الأسفار والمزامير وأناجيل الحواريين، والحكمة الإلهية والطرائق الصوفية، تتخللها أشعار مثنوية ومولوية، وقصائد رومية وتبريزية عن المحبة والعرفان، وصور ورسومات ورسائل، وترانيم وأناشيد بعضها مصحوب بالنوتات الموسيقية، وتجارب روحية وأخرى تأملية.
تؤكد كاميل هيلمنسكي في مقدمة كتابها أنه رحلة تصحب قارئها في تجربة كشفية نورانية إلى حياة السيدة مريم، بدلاً من مجرد القراءة عنها، فتبدأ من اسمها بالقول:”تعدد أسمائها يشير إلى قصة عالمية: اسم ماري من أصل لاتيني ويوناني، وماريا يحمل معنى سيدة البحر واشتهر أيضاً بأنه يحمل معنى نجمة البحر أو ستيلا ماريس نور الهدى الساطع”.
وتشكل رؤيا القديس يوحنا لامرأة حامل مضيئة، على رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، تمهيداً لهذه الرحلة، فتشير هليمنسكي إلى اعتقاد الكثيرين بأنها تمثيل للأم مريم، إذ تقول: “يمكن للمرء أن يشهد مقاطع من حياتها على أنها اثني عشر نجماً من البركة”، وتتعمق في دلالات العدد 12 التي ظهرت من بئر مريم لتغذي قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة، وعدد أبناء إسماعيل، وعدد أقمار الأشهر القمرية والشمسية، وعدد الأبراج السماوية.
توضح المؤلفة: “قمنا بتقسيم رحلة حياتها إلى اثني عشر فصلاً أو محطة أو مقاماً، تتناسب مع الاثني عشر نجماً النعمة والبركة التي تحيطها على شكل هالة من نور، سنفتتح بدءاً من لحظة فرح أمها حنة بولادتها، كل مقام مع ما يناظره من آيات قرآنية”.
تستهل هيلمنسكي فصول كتابها بنجم البركة الأولى؛ “هدية الحَبَل بمريم لآنا العاقر”، وتروي فيه قصة آنا أو “حنة” التي قالت “ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً فتقبّل منّي إنّك أنت السّمع العليم” كما جاء في الآية الـ35 من سورة “آل عمران”، إلى نجم البركة الثانية “داخل الهيكل” حيث أوفت حنة بوعدها ونذرت ابنتها مريم لخدمة قدس الأقداس.
وينتقل السرد إلى “بشارة الكلمة”؛ حيث تنزّل الروح الأمين جبرائيل بصحبة جمع من الملائكة على الشابة مريم “إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الّله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم”، كما جاء في الآية 45 من سورة آل عمران، وفي الآيات 17 – 21 من سورة مريم “فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سوياً * قالت إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيّاً * قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكيّاً * قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيّا * قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للنّاس ورحمة منّا وكان أمراً مقضيا”.
وتصحبنا هليمنكس إلى نجم البركة الرابعة لتروي لنا قصة أليصبات، قريبة مريم، التي هتفت بأعلى صوتها مخاطبة مريم: “مباركة أنت في النّساء ومبارك ابنك ثمرة بطنك”، وفقاً للأصحاح الأول من إنجيل لوقا، وصارت كلماتها تسبيحة معروفة، “ويقال إن (نشيد مريم) هو أول ترنيمة غنتها المجتمعات المسيحية، وما تزال جزءاً من ليتورجيا الساعات (الخدمة الإلهية) التي يتلوها القساوسة المسيحيون غالباً للعذراء.
وفي نجم البركة السادسة “ولادة يسوع المسيح”، يتعرف القارئ على تفاصيل الروايات القرآنية والإنجيلية عن ولادة سيدنا عيسى، ويشهد “تقديم الرضيع في الهيكل: أربعون يوماً من الحب”، في نجم البركة السادسة، و”رحلة إلى مصر”، و”ضياع يسوع والعثور عليه.. دعوة الحبيبة”، و”معجزة الغذاء الروحي والحياة الجديدة”، و”العودة إلى الله: الموت والقيامة”، و”رحلات التبشير”.
وصولاً إلى نجم البركة الثانية عشرة، “سكينة الروح”، وفيه تصل القصة إلى نهايتها، حيث تقول هيلمنسكي: “إن الحبيبة مريم مثال لكل البشر، مثال على تقبّل الروح كلياً لله، ومثال على الحب الذي تشعر فيه كل نفس حين تعرف الله، عسى أن نسير كلنا على خطاها ونقتدي بمثالها الجميل وكيانها القوي، ونخلص في العبادة كما أخلصت هي لله قبل أن تغمرها نعمه، بأناشيد المدح مع الورود والطيور والجبال وكل المخلوقات: (اسجد واقترب)”.